• رئيس التحرير: ماجد التركيت
الأحد 09/مارس/2025
عبد العزيز حسين .. قائد حلم التنوير العربي

عبد العزيز حسين .. قائد حلم التنوير العربي

  • مثقف واسع الاطلاع عُرف بالذكاء والحافظة القوية وخدم النهضة التعليمية في الكويت
  • كان عبد العزيز حسين كوالده قارئاً ومحباً للعلم واتسمت أسرته بالعلم والمعرفة
  • حصل عبد العزيز حسين على شهادة العالمية من كلية اللغة العربية في الأزهر الشريف
  • شكلت مصر وعي عبد العزيز علميا وثقافيا وفكريا ومعرفياً ومعنويا وسياسيا وإنسانيا
  • وافق الأزهر الشريف على استقبال مجموعة من الطلبة الكويتيين للدراسة
  • عاد عبد العزيز حسين إلى الكويت عام 1945 ليجد اقتراحا من مجلس معارف الكويت لتأسيس بيت الكويت



 تواصل "ايكونيوز" نشر كتاب "عبد العزيز حسين: حياته وآثاره" لمؤلفه الدكتور عباس يوسف الحداد ، حيث تحرص "ايكونيوز" على تناول تلك السيرة العطرة التي تعد أحد المعالم الرئيسية في طريق الثقافة والفكر ليس على مستوى الكويت وحسب ولكن على مستوى منطقة الخليج العربي. 

 والفصل الأول من كتاب "عبد العزيز حسين : حياته وآثاره" يتناول حياة الرجل وأسرته وتعليمه وشغفه بالعلم. 

 حيث تدين ترجمة الرجل وسيرته هنا إلى رجل ومؤسسة، فأما الرجل فهو الأديب المؤرخ خالد سعود الزيد (۱۹۳۷-۲۰۰۱) رحمه الله، الذي كان أول من ترجم للأستاذ عبد العزيز حسين (١٩٢٠ - ١٩٩٦) في أدباء الكويت في قرنين - الجزء الثاني، كما ترجم لأسرته، ووضع كتابا عن أخيه الأكبر: محمد ملا حسين حياته وشعره (۱۹۹۸).

 أما المؤسسة فهي دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع التي وفقت بالاحتفاء بالرجل قبل عام من رحيله، حين وضعت الكتاب التذكاري وعنوانه: «عبد العزيز حسين وحلم التنوير العربي (۱۹۹۵). 

 وقد اجتمعت في هذا الكتاب أقلام الأدباء والعلماء والمفكرين ليكتبوا عن الرجل من جوانب شتى، وأكثر ما أفدت من الكتاب ما كتبه الأستاذ الدكتور شاكر مصطفى، وما كتبه الدكتور سليمان العسكري - وهو المشرف على تحرير الكتاب - تحت عنوان: «رحلة في عقل رائد التنوير، هذا بالإضافة إلى شهادات الأدباء والشعراء والمفكرين الذين كتبوا عنه باعتباره رائدا من رواد التنوير في الوطن العربي.

 

عبد العزيز حسين.. حياته 

مثقف واسع الاطلاع، عُرف بالذكاء، والحافظة القوية، خدم النهضة التعليمية في الكويت، وأسهم في بناء الثقافة العربية، إليه يعود الفضل في صدور مجلة «البعثة» وتأسيسها ( ديسمبر (١٩٤٦). 

ولد في حي الشرق في ٢٦ نوفمبر ۱۹۲۰، جده «الملا» عبدالله بن حسين التركيت  تاجر أخشاب ولوازم السفن الشراعية، كانت له سفينة شهيرة تسمى عنقاش) وتعني : التاجر المتجول ، تجوب البحار إلى «الهند» و«إفريقيا»، احترقت في عام (١٣٠٦ هـ - ۱۸۸۸م)، وقد توفي في طريق عودته من الحج إلى الكويت عام (۱۳۰۸ هـ - ۱۸۹۰م) فدفن في "بريدة" عاصمة إقليم "القصيم" في نجد. فخلفه ابنه «حسين» وحمل العبء مكان والده وأعاد بناء السفينة، واستمر في تجارة الأخشاب وتسيير سفن الغوص كعادة والده. 

وكان «حسين» كوالده قارئاً ومحباً للعلم، يعقد في ديوانه مجلسًا لأهل العلم وطلبته. 

ويصف الشاعر محمد ملا حسين - الأخ الأكبر لعبد العزيز حسين - أسرته ودورها في التعليم قائلا : اتسمت أسرتي على مدى أجيال بشغفها بالعلوم الدينية والثقافية عامة، وكانت التجارة بما فيها امتلاك وتسيير السفن الشراعية في السفر» و «الغوص من صلب سبيلها في كسب الرزق، وكانت سفينتها «البغلة عنقاش، وتعني التاجر المتجول من السفن المهمة في الماضي البعيد.  التوجه الديني للعائلة أنتج أئمة مثل: الملا عبد الله التركيت، والملا محمد محمد صالح التركيت، والقاضي عبد الرحمن حسين محمد التركيت، ووالدي الملا حسين العبد الله التركيت الذي كان إماما أيضًا، والملا حسين من مواليد ١٨٧٥ م عمل في مجال تجارة الأخشاب ومواد ولوازم بناء السفن والمساكن ... إن تعلق والدي ومن قبله والده وأجداده بالعلم والمعرفة سواء الدينية منها أو الأدبية أو الثقافية عامة، وكذلك توفر المراجع والمؤلفات هيأ لي أنا وبالطبع لأخيه عبد العزيز أيضا فرصة التوجه للتعليم وسعة الاطلاع. وقد امتلك والدي مكتبة زاخرة بمختلف المؤلفات الأدبية والدينية والتاريخية ...» .

في كنف هذه الأسرة التي اتسمت بالعلم واشتغلت بالتجارة عاش "عبدالعزيز" وترعرع في بيت حاز المجد من أطرافه تجارة تغنيه، وعلم يعليه.

وعندما بلغ عامه السابع التحق بالمدرسة المباركية عام ١٩٢٧م وبعد أن تلقى تعليمه الأساسي فيها انتقل إلى المدرسة الأحمدية لينهي بعدها دراسته فيها عام ١٩٣٧م.

 

عبد العزيز حسين وأول بعثة دراسية إلى مصر (١٩٣٩ - ١٩٤٥) 

واكب تخرج عبد العزيز حسين من المدرسة الأحمدية حراكا سياسيا في الوطن العربي عامة وفي الكويت خاصة نتج منه تأسيس المجلس التشريعي عام ١٩٣٨م الذي لم يدم طويلا ولكن كانت لبعض قراراته وتوصياته أثر كبير في حياة عبد العزيز حسين، إذ قرر المجلس إرسال بعثة دراسية إلى مصر، حيث كانت أول بعثة دراسية ترسل إليها ، وفي ٦ فبراير ۱۹۳۹ تم إرسال هذه البعثة الطلابية إلى جامعة الأزهر الشريف وكانت تضم .

  • يوسف مشاري البدر - مدرس في المدرسة المباركية. 
  • يوسف عبد الله العمر - مدرس في المدرسة المباركية. 
  • أحمد مشاري العدواني - طالب مميز في المدرسة المباركية. 
  • عبد العزيز حسين - لتفوقه الدراسي المعروف لدى إدارة المعارف.

 

التحصيل العلمي

لقد كانت همته في التحصيل العلمي، ودأبه على القراءة والمطالعة ومتابعة كل ما يصدر من كتب ومجلات في الوطن العربي (مصر، العراق، الشام) وتصل إلى الكويت حافزًا ودافعا وراء قبوله في البعثة إلى مصر، إذ وافق الأزهر على استقبال مجموعة من الطلبة الكويتيين للدراسة وتحمل الأزهر نفقات المعيشة للبعثة في مصر، إذ لم تكن ميزانية الكويت حينها تتحمل عبء هذه البعثة، وكان قرار إرسالها يشترط دراسة اللغة العربية وما يتصل بها. يقول عبد العزيز حسين: وكان للجو الأسري المشبع بالجو الديني وحب الآداب العربية دوره في اختياري لدراسة اللغة العربية بمصر ».

   ومع وصول البعثة إلى مصر اشتعلت نيران الحرب العالمية الثانية (1939 - 1935) فمكث عبد العزيز حسين بها طوال فترة الحرب العالمية دارسا ومندمجا في حياتها العامة، وعن تلك الفترة يقول: «وفي فترة الحرب هذه كانت الحياة الفكرية في مصر تزخر بالحركة وتتهيأ للتغيير وتنتظر يوم الخلاص من سيطرة الأجنبي ومن قهر النظام القائم، كنا ونحن طلاب لغة وأدب ننبهر عن حق بمحاضرات طه حسين، وبكتاب مجلة «الرسالة» وبأحمد أمين ورفاقه في لجنة التأليف والترجمة والنشر ... لم نشعر بالغربة تجاه قضايا المجتمع المصري طوال سنوات الحرب السبع، فقد عشنا كل مشكلات الحياة التي عاشها المجتمع وانفعلنا بكل أحداثه وتابعنا معه الأحداث العالمية بكل ما زخرت به من تغيرات ومفاجآت .. .

وهكذا شكلت مصر وعي عبد العزيز علميا وثقافيا وفكريا ومعرفياً ومعنويا وعربيا وسياسيا وإنسانيًا أيضًا، وخلقت منه إنسانًا يعي ما عليه من واجبات وما له من حقوق مدني التفكير والتدبير، يعتمد المؤسسة والنظام في العمل والتطوير، كما خلقت له علاقات وصداقات أفاد منها كثيرًا في النهضة التعليمية والعلمية والسياسية. يقول عبد العزيز حسين، واصفا حاله أثناء قيام الحرب العالمية وهو في مصر:

و"أذكر يوم قامت الحرب العالمية الثانية بعد قدومنا إلى مصر بأشهر قليلة أنني والعدواني ناقشنا وضعنا وقد انقطعت بنا السبل، فاتفق الرأي على أن نبقى حيث كنا لمواصلة الدراسة حتى نستطيع أن نقدم للكويت شيئًا، ولعلمنا أن العودة إلى الكويت ستكون نهاية المطاف بالنسبة لتحصيلنا العلمي. هكذا قضينا سني الحرب الطوال معا في القاهرة وكانت القاهرة زاخرة بالأحداث ومجمعا للتحركات في كل اتجاه وبرغم المعاناة المادية فقد كنا على صلة بالحياة الثقافية وبالإنتاج الفكري فيها كما كنا على صلة وثيقة بالكويت وأبنائها نتابع كل صغيرة وكبيرة ونتطلع إلى اليوم الذي نستطيع فيه الإسهام بقسط في بنائها. وكنا نناقش رؤانا وأحلامنا كما يناقش المهندسون خريطة بناء . 

ورغم أن العدواني أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع وباعتباره شاعراً منذ فجر شبابه فإني لا أذكر أننا اختلفنا في الوصول إلى رأي واحد، وربما كانت الثقة المتبادلة هي السبب في التنازل من جانبه أو جانبي عن الحواشي دون الجوهر، ومنذ تلك الحوارات النظرية إلى ميادين العمل الفعلية التي اشتركنا فيها بعد ذلك كان هذا دأبنا... وكان هذا هو سر التوفيق الذي أظن أننا حققناه على مدی هذه السنين. 

 

شهادة العالمية

وفي  عام ١٩٤٣ حصل عبد العزيز حسين على شهادة العالمية من كلية اللغة العربية في الأزهر الشريف، وكان يرغب في مواصلة تعليمه بكلية المعلمين العليا، ومن خلال رسالة خطية لـ جيمس وكلن مؤرخة في ١٧ أغسطس ١٩٤٣ موجهة إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج (أبو شهر) حول التعليم للطلبة الكويتيين في مصر أفاد بأنه اجتمع مع الطلبة الكويتيين الذين يدرسون في جامعة الأزهر على نفقة الحكومة الكويتية منذ أربع سنوات وهم أحمد مشاري العدواني، عبد العزيز حسين، يوسف عبد اللطيف العمر. وعلم منهم أنهم ينوون مواصلة دراستهم لمدة سنتين أخريين، أما عبد العزيز حسين فقد طلب منه أن يساعده في الالتحاق بكلية المعلمين العليا إذ أحرز تقدما جيدًا في دراسة اللغة الإنجليزية في المعهد البريطاني لمدة عامين، فلم ينجح جيمس وكلن» بالحصول على قبول له في كلية المعلمين العليا. إذ يطلبون مستوى معينا من إجادة اللغة الإنجليزية. 

وبعدها قام بزيارة الأستاذ إسماعيل قباني بخصوص الطالب عبدالعزيز حسين، وأقنعه بأن الطالب عبدالعزيز حسين يتميز عن زملائه بالاستعداد الجيد للتحصيل العلمي فوافق على ذلك.

 

وفي عام ١٩٤٥ حصل عبدالعزيز حسين على شهادة التخصص في تدريس اللغة العربية من الأزهر، ودبلوم معهد التربية العالي في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) في آن واحد.

وفي العام نفسه وبعد غياب ستة أعوام عن الكويت عاد عبد العزيز حسين إلى الكويت ليجد اقتراحا من مجلس معارف الكويت الذي كان يشرف متطوعا على شؤون التعليم في البلاد بإنشاء مركز ثقافي بالقاهرة يقوم بالمتابعة والإشراف على البعثات الطلابية الكويتية، إذ تم في هذا العام (١٩٤٥) إرسال بعثة طلابية تتكون من ستين طالبا وهي أكبر بعثة أرسلت آنذاك، وكان لا بد من مشرف يشرف على هذا العدد من الطلبة، فوقع الاختيار على عبد العزيز حسين ليكون رئيسا لهذا المركز الثقافي والذي أسماه «بيت الكويت».

0 التعليقات:

أضف تعليقك