• رئيس التحرير: ماجد التركيت
الأحد 09/مارس/2025
في 1961 اعتزل عبد العزيز حسين العمل التربوي لينخرط في العمل السياسي (الحلقة السادسة)

في 1961 اعتزل عبد العزيز حسين العمل التربوي لينخرط في العمل السياسي (الحلقة السادسة)



بعد أن ساهم في تهيئة الكويت ثقافياً وفكرياً 

في 1961 اعتزل عبد العزيز حسين العمل التربوي لينخرط في العمل السياسي (الحلقة الخامسة)

 

  • تلقَّى رسالة من الشيخ عبد الله السالم الصباح بالتوجه إلى نيويورك رئيساً لوفد الكويت لشرح وجهة نظرها لدى مجلس الأمن
  • ألقى عبدالعزيز حسين خطاباً تاريخيّاً في مجلس الأمن إذ أثبت فيه استقلال الكويت بالدليل والبرهان
  • أكد إن استقلال الكويت لم يكن موضع خلاف في أي وقت من الأوقات..لقد كان للكويت دوماً حكومة مستقلة ذات سيادة
  • عُيِّن بعد الاستقلال والانضمام إلى جامعة الدول العربية أول سفير للكويت في مصر واستمر في منصبه حتى يناير 1963

 

استعرضنا خلال الاعداد السابقة ذلك الدور الكبير الذي لعبه عبد العزيز حسين في تعزيز الدور الثقافي والاجتماعي في الكويت، وذلك بعد تاريخ طويل من العلم والمعرفة التي اكستبها من خلال دراسته في كل من مصر والمملكة المتحدة والتي تولى خلالها العديد من المناصب الرفيعة التي ساهم من خلالها في جلب العلم والثقافة إلى دولة الكويت آنذاك.

وخلال مسيرته، ساهم عبد العزيز حسين في تنظيم 4 مواسم ثقافية متتالية، أصبحت بعدها الكويت

مهيأة ثقافيّاً وفكريّاً لاستضافة مؤتمر الأدباء العرب الرابع والذي كان موضوعه "البطولة في الأدب العربي"، والذي عقد في الفترة من 20 إلى 28 ديسمبر 1958، بحضور 16 دولة عربية، وعقدت جلساته جميعها في ثانوية الشويخ، وتولى عبد العزيز حسين السكرتارية العامة للمؤتمر.

لقد كان عبد العزيز حسين وراء عقد هذا المؤتمر في الكويت والدعوة إليه وتدبير نفقاته، لأنه كان يسعى إلى تحويل الكويت إلى مركز إشعاع حضاري ومنارة ثقافية وسط العالم العربي، هذا المؤتمر الذي سبقت عواصم عربية عريقة إلى استضافته من قبل (القاهرة، دمشق، بيروت) كانت الكويت رابعة هذه الدول العربية في استضافته.

 

مجلة العربي

واكب انعقاد المؤتمر على أرض الكويت صدور العدد الأول من مجلة "العربي" في الأول من ديسمبر 1958م. وكتب الدكتور أحمد زكي رئيس تحريرها افتتاحية العدد الأول: "باسم العروبة خالصة بحتة محضة نخط أول سطر يقع عليه البصر من هذه المجلة الوليدة وسميناها العربي". وما كان اسمٌ بوافٍ بتحقيق ما يجول في رؤوس رجال الوطن العربي كله ورؤوس نسائه من معانٍ وما تستدفئ به قلوبهم من آمالٍ وأمانيٍّ كاسم "العربي" في حسمه وإيجازه. وكان عبد العزيز حسين في جملة من تحمس لإصدار هذه المجلة واختيار رئيس تحريرها.

 

عبد العزيز حسين والسياسة (1961-1985)

ظل عبد العزيز حسين في التربية والتعليم تسع سنوات يعمل بجد ومثابرة، وفي 1961 مثَّل الكويت في مؤتمر التعليم الدولي في جنيف، وأثناء وجوده هناك تلقَّى من أمير الكويت الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح رسالة تفيد بأن يتوجه إلى نيويورك رئيساً لوفد دولة الكويت الذي يضم سعود الفوزان ومحمد العشماوي لشرح وجهة نظر الكويت لدى مجلس الأمن على أثر إعلان الكويت استقلالها وما أثاره عبد الكريم قاسم (1914-1963) من مشكلة العلاقة بين العراق والكويت.

وصل عبد العزيز حسين إلى نيويورك في 5 يوليو 1961م. يقول عبد العزيز حسين: "وكان عندي أربع وعشرون ساعة فقط لأصل إلى نيويورك وألقي كلمة أمام مجلس الأمن. وقبل أن أتحدث بوجهة نظر بلادي طلبت الاجتماع بمندوب العراق عدنان الباججي فرفض. فأرسلت إليه من خلال بعض المندوبين العرب أن نترفع عن المهاترات محافظةً على الوجه العربي أمام العالم بعيداً عن التشويه والتشهير. ولكنه كان متشبعاً بروح سيده ومتملقاً لسياسته مما أثار استهجان كل المنصفين. كان ذلك في الخامس من يوليو 1961م".

"وتحدث الباججي أمام مجلس الأمن وتحدثتُ حديث الكويت. وكان حديثي يتسم بالهدوء والمنطق فهو أول بيان يلقيه أول وفد كويتي يشارك في أعمال الأمم المتحدة. ألقيته بالإنجليزية لأن اللغة العربية لم تكن بعدُ قد أصبحت لغة رسمية في الأمم المتحدة وقلت في الخطاب: 

 

السيد الرئيس:

السادة أعضاء الوفود المحترمين لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أود كرئيس لوفد الكويت وبالإنابة عن زملائي في الوفد أن أعبر عن الشكر الجزيل لإتاحتكم الفرصة لنا لعرض قضيتنا أمامكم اليوم. إن مشاعر الرضا البالغ لتساوِرُنا إزاء ما نلقاه من اهتمام ودي.

لقد تقدمنا بطلب الحضور إلى هذا المحفل طبقاً للمادة 35 الفقرة 2 من الميثاق وهي المتضمنة في الوثيقة 5881-5.

السيد الرئيس..

لقد أصيب الرأي العام العالمي - ولا سيما الرأي العام العربي- بالصدمة من جراء المزاعم التي أطلقها رئيس وزراء العراق ضد استقلال الكويت، وهي المزاعم التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية في الخامس والعشرين من يونيو 1961. وبات يشكل تهديداً مباشراً لاستقلال وحرية وسيادة دولة الكويت ادعاء رئيس وزراء العراق قاسم بأن الكويت كانت أثناء الخلافة العثمانية التركية، منطقة خاضعة للحاكم التركي الإقليمي للبصرة.

إن هذا الادعاء لا سند له من حقائق التاريخ، إنه تشويه تاريخي يكشف عن الطموحات التوسعية الإقليمية غير المشروعة للواء قاسم. إن حكومة الكويت لا ترغب في الانسياق إلى جدل مطول عقيم مع حكومة العراق.

لكن من حقائق التاريخ أن الكويت لم تخضع أبداً للحكم التركي. وفضلاً عن ذلك، فإن الحكومة العثمانية لم تعين في يوم من الأيام ممثلاً لها في الكويت، كما فعلت في البلدان العربية الأخرى إبان فترة سيطرتها على العالم العربي. فالكويت خلافاً لذلك، حافظت بنجاح على استقلالها ضد الهيمنة العثمانية، هذا عن الماضي.

فإذا ما نظرنا إلى الحاضر، فسنرى كيف أن الكويت أرست بصورة متدرجة ومنهجية أسس جميع المؤسسات الضرورية التي تحدد سمات الدولة الحديثة. وقبل أن يعلن قيام دولة الكويت المستقلة في التاسع عشر من يونيو 1961، كانت الكويت قد أقامت نظاماً حكوميّاً فعَّالاً قابلاً للاستمرار والحياة. وكانت لها عملتها الخاصة، وطوابعها البريدية، وقوانينها ومحاكمها الخاصة. والواقع، أن الحكومة بفضل مواردها الاقتصادية، أصبحت دولة رفاهية ذات تنظيم كفء، دولة رفاهية هي اليوم مفخرة الشرق الأوسط.

لقد خطت الكويت، قبل إعلان استقلالها رسميّاً، خطوات واسعة في مجال الدبلوماسية الدولية، مؤكدة أنها كانت دولة مستقلة، وحتى قبل إلغاء معاهدة 1899 مع بريطانيا العظمى، كانت الكويت قد حققت كل السمات التقليدية المميزة للدولة ذات السيادة.

ولم تكن حكومة العراق شاهداً على ذلك فحسب، بل إنها عاونت الكويت في تطورها كدولة مستقلة، فقد ساند المندوبون العراقيون أنفسهم طلبات الكويت للحصول على عضوية العديد من المنظمات الدولية.

وابتداء من الرابع والعشرين من يوليو 1959 تم قبول الكويت في المنظمات الدولية التالية على التتابع:

1- الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية.

2- اتحاد البريد الدولي.

3- منظمة الطيران المدني الدولية.

4- منظمة الصحة العالمية.

5- منظمة اليونسكو.

6- منظمة العمل الدولية.

ومن الأمور المؤكدة أن العضوية في هذه المنظمات تشكل اعترافًا دوليّاً باستقلال الكويت".

كان خطابًا تاريخيّاً كتبه عبد العزيز حسين وألقاه في مجلس الأمن، إذ أثبت فيه استقلال الكويت بالدليل والبرهان، وعرَّج على العلاقات بين الكويت والعراق، وأشار إلى الأطماع التي تتطلع إليها العراق في الكويت، بلغة ذات بيان سياسي رائق، وبعبارات لا تخلو من الوعي في اختيارها ومن الدلالة في تعبيرها.

بعد الخطاب أمام مجلس الأمن في نيويورك عقد عبد العزيز حسين مؤتمراً صحفيّاً ألقى فيه بياناً، هذا جزء منه:

"يسرني وزملائي بالغ السرور أن نكون هنا في هذا البلد العظيم وأن نلتقي بشعبه الكريم في الوقت الذي نمثل فيه بلدنا، الكويت، في مجلس الأمن.

لقد ظلت الكويت دائماً، وبرغم أنها بلد صغير في حجمه، شديدة الاهتمام بالسعي من أجل تعزيز الخير المشترك والرفاه لعالم يسوده السلام. ويؤسفنا بحق أننا نحضر لأول مرة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعلى كاهلنا مهمة محزِنة تتمثل في تقديم شكوى ضد معتد يهدد السلام. ويزيدنا أسفاً أن هذا التهديد بالعدوان يصدر عن العراق، البلد العربي الشقيق الذي نكن لشعبه عميق التقدير والحب. كانت علاقتنا بالعراق في الماضي علاقة ودٍّ وتعاون. وكان تعاملنا بعضنا مع بعض دائماً تعامل البلدان المستقلة ذات السيادة وعلى قدم المساواة. وانضمت الكويت إلى أكثر من منظمة في الجامعة العربية والأمم المتحدة وهي تزامل العراق في غالبية هذه المنظمات.

ثم إن الكويت، وفور أن أعلنت استقلالها الكامل الرسمي في التاسع عشر من يونيو 1961، تقدمت بطلب العضوية الكاملة في الجامعة العربية والأمم المتحدة. ومن دواعي الأسى العميق أنه بعد أيام قليلة من إعلان الاستقلال ادعى العراق أن الكويت جزء من أراضيه برغم أن العراق اعترف في مناسبات عديدة من قبل بسيادة الكويت.

إن استقلال الكويت لم يكن موضع خلاف في أي وقت من الأوقات لقد كان للكويت دوماً حكومة مستقلة ذات سيادة، وقد بذلت هذه الحكومة في السنوات الأخيرة جهداً هائلاً من أجل إعادة تنظيم نفسها وفق الأساليب الحديثة لدولة الرفاه النموذجية. وكان النجاح حليفنا في ذلك. فقوانيننا ولوائحنا الحديثة تضمن الأمن والرفاه لشعبنا ولكل الذين يقيمون في الكويت. إن هذا الأمن الحقيقي الذي كفلته حكومة الكويت للشعب يتعرض الآن للخطر لأن الادعاء العراقي ضد بلدنا يدعمه حشد القوات على حدودنا بغية الهجوم علينا. وهذا التهديد لاستقلالنا هو سبب شكوانا إلى مجلس الأمن. إننا لعلى ثقة قوية بأن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ستعمل لصيانة وضمان روح ميثاق الأمم المتحدة الذي يحمي حقوق الدول الكبيرة والصغيرة على السواء".

ثم عاد عبد العزيز حسين من نيويورك إلى تونس إلى القاهرة ليقدم طلب الكويت للانضمام إلى جامعة الدول العربية، وكان للرئيس جمال عبد الناصر دور كبير في قبول عضوية الكويت.

كانت نقلة عبد العزيز حسين من مجال المعارف والتعليم إلى العمل السياسي الدولي والعربي نقلة سريعة ومباغتة له، ولكنه هو ذلك الرجل الذي أعَدَّ نفسه إعداداً رفيعاً للمهمات وإدارة الأزمات، وأخذ على عاتقه التعريف بالكويت ومجتمعها عربيّاً ودوليّاً، وصار مدافعًا ومنافحاً عن قضيتها، فهو رجل لكل الظروف، لِمَا له من إعداد ومقدرة واطلاع واسع على الشؤون المحلية والعربية والدولية، فَنَاءَ بحِمل ثقيل وكان كبيراً في حَمله وكبيراً في اقتداره على إدارة الأزمة بين الكويت والعراق عربيّاً ودوليّاً.

لقد بات عام 1961 هو عام اعتزال عبد العزيز حسين للعمل التربوي لينخرط في العمل السياسي ويسهم في بناء الدولة الحديثة في الميدان السياسي، إذ عُيِّن بعد الاستقلال والانضمام إلى جامعة الدول العربية أول سفير لدولة الكويت في مصر واستمر في منصبه حتى الأول من يناير عام 1963، دَعَّم عبد العزيز حسين أثناء وجوده في مصر سفيراً علاقته بالدوائر الثقافية والتعليمية والسياسية فكان على صلة طيبة معهم منذ أواسط الأربعينيات من القرن العشرين واستمرت حتى صار أول سفير في مصر.



عبدالعزيز حسين لعب دوراً في انتداب خبير دستوري للكويت

كانت لعلاقات عبدالعزيز حسين الوثيقة بأفراد النظام في مصر في تلك الفترة آثارها الإيجابية إذ يروي لي أمين عام المجلس التأسيسي، الأستاذ علي الرضوان -أطال الله في عمره- أن المجلس التأسيسي عندما أراد خبيراً دستوريّاً انتدبني للذهاب إلى مصر بصفتي قانونيّاً وخريج جامعة القاهرة، فعندما وصلتُ القاهرة استقبلني السفير الأستاذ عبدالعزيز حسين وأخبرته بأننا بحاجة إلى الدكتور عثمان خليل عثمان، ليعمل خبيرًا دستوريّاً في المجلس التأسيسي ويعيننا على صياغة الدستور، فأجرى عبدالعزيز حسين اتصالاته مع سامي شرف (1929-2023) مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر وأخبره برغبة الكويت بإعارة الدكتور عثمان خليل عثمان للعمل في الكويت، وكانت الإجراءات الإدارية الروتينية ستأخذ وقتاً طويلاً حتى يستطيع الدكتور عثمان الذهاب إلى الكويت، ولكن بفضل علاقة عبدالعزيز حسين بسكرتير مكتب رئيس الجمهورية، استطعنا أن نرتب سفر الدكتور عثمان خليل عثمان إلى الكويت بعد أسبوع من اللقاء، على أن تتم الإجراءات الإدارية والأوراق الرسمية والرجل يعمل في الكويت. ووصل الدكتور عثمان خليل عثمان –رحمه الله- إلى الكويت وساهم بدور فعَّال في صياغة مواد الدستور، وشارك في المناقشات الدائرة في لجنة إعداد الدستور وفي المجلس وخرج علينا بنص الدستور الذي لم يزَل بين أيدينا حتى اليوم، والذي يُعَدُّ صمام الأمان والاستقرار للكويت وشعبها.

فلولا علاقات عبد العزيز حسين الوطيدة مع المسؤولين والقيادات في مصر لَمَا استطعنا أن نحضر الدكتور عثمان خليل عثمان في فترة وجيزة ويصدر الدستور في غضون أشهر معدودات.

0 التعليقات:

أضف تعليقك