ذهب لدراسة التربية وعلم النفس (الحلقة 4)
عبد العزيز حسين ودراسته في لندن بعد أن تعرف على الطرائق العربية في التربية والتدريس
- حصل عبد العزيز حسين على دبلومين من جامعة لندن.. أحدهما في التربية المقارنة والآخر دبلوم الزمالة.
- كان نشاط عبد العزيز حسين في لندن ملحوظاً.. راح يعقد الندوات في بيته ويترجم مقالات خاصة بالبترول في الكويت.
- اختير عبد العزيز حسين لتولي إدارة معارف الكويت عام 1952 بعد أن أعدَّ نفسه إعداداً علميّاً ومهنيّاً وتربويّاً وميدانيّاً جيداً.
- خلال توليه دائرة معارف الكويت حقق عبد العزيز حسين إنجازاً حضاريّاً وتربويّاً في تطور الحركة التعليمية في الكويت.
- واجه عبد العزيز حسين مشكلة في بداية توليه إدارة معارف الكويت تمثلت في شح المعلمين والمعلمات في المدارس الكويتية.
تواصل "ايكونيوز" سرد السيرة العطرة لحياة الراحل عبد العزيز حسين الذي يعد واحداً من أعمدة الفكر الثقافي والعربي وقائد التنوير الفكري والثقافي عربياً وخليجياً.
وفي الحلقة الرابعة من هذه السيرة يتناول الدكتور عباس يوسف الحداد توجه عبد العزيز إلى لندن وذلك بعد أن وقع عليه الاختيار من قبل مجلس المعارف للدراسة هناك، وذلك للتعرف على الأساليب التربوية الحديثة في الغرب، وذلك بعد أن قطع مشواراً لا بأس به في معرفة الطرائق العربية في التربية والتدريس، خاصة بعد السنوات الطوال التي قضاها في القاهرة التي أنشأ فيها مركزاً ثقافياً يقوم بدور المتابعة والاشراف على البعثات الطلابية الكويتية هناك، وذلك قبل أن يستقيل منه في يونيو 1950 ليعود إلى الكويت ويستقر فيها.
ففي يونيو 1950 قدَّم عبد العزيز حسين استقالته من العمل مشرفاً على بيت الكويت بمصر، وعاد إلى الكويت ليقع عليه في نهاية العام الاختيار من قبل مجلس المعارف للدراسة في لندن، إذ أُرْسِل لدراسة التربية وعلم النفس في جامعة لندن، وليزداد معرفة بالأساليب التربوية الحديثة في الغرب والتعرف على مدارسها وطرائقها بعد أن تعرف على الطرائق العربية في التربية والتدريس، ويبدو أن للشيخ عبد الله السالم الصباح (1895–1965) –رحمه الله- دوراً في اختياره للدراسة في لندن بعد أن صار حاكماً للكويت في فبراير 1950م.
لقد كان نشاط عبد العزيز حسين في لندن ملحوظاً، إذ لم يتوقف الأمر عند دراسته الجامعية فحسب، وإنما راح يعقد الندوات في بيته، ويترجم بعض المقالات الخاصة بالبترول في الكويت، كما أنه أسهم في بعض الأحاديث والحوارات الإذاعية من إذاعة لندن.
ففي 24 فبراير 1951 ألقى كلمة في إذاعة لندن بمناسبة عيد الجلوس لأمير البلاد الشيخ عبد الله السالم عدَّد فيها الإنجازات التي تمت في مختلف نواحي الحياة في الكويت. وقد احتفظت مجلة البعثة بكلِّ هذه الأنشطة والكلمات والحوارات إذ تم نشرها على صفحات البعثة، مما يؤكد صلته المستمرة بالمجلة على الرغم من سفره والتحاقه بالدراسة في لندن.
ومن لندن زار إسكتلندا في شمال إنجلترا في عام 1951م، كما زار في يونيو من العام نفسه السويد واطلع على معاهدها العلمية ودراسة نظم التربية والتعليم مقارنة بالنظام في غيرها من البلاد.
وبعد عامين حصل على دبلومين من جامعة لندن، أحدهما في التربية المقارنة والآخر دبلوم الزمالة.
وهو دبلوم خاص يقدم صاحبه رسالة في موضوع معين ليعتبر زميلاً في الجامعة، وفي 1952 قدم إلى جامعة لندن رسالته عن التعليم المهني وإمكانية إدخاله إلى الكويت مع الإفادة من المشكلات التي واجهت إنجلترا في هذا المجال.
عبد العزيز حسين وإدارة معارف الكويت (1952–1961)
حين اختير عبد العزيز حسين لتولي إدارة معارف الكويت عام 1952 كان قد أعَدَّ نفسه إعداداً علميّاً ومهنيّاً وتربويّاً وميدانيّاً جيداً، ما أهله لتولي هذا المنصب المهم في بناء وتطوير المجتمع، لقد تولى إدارة معارف الكويت وهو يحمل أفكاراً ورؤى ومشاريع تستطيع أن تنهض بالحركة التعليمية في البلاد، وتفيد من الطاقات الشبابية في بناء مجتمع ما زال فتيّاً وفي ظل قيادة سياسية ترنو إلى وضع الأطر الدستورية والقانونية لبناء مجتمع مدني. إذ كان الشيخ عبد الله السالم –رحمه الله- أمير البلاد حينها قد تسنم الإمارة في عام 1950، وراح يشكل فريقاً من الشباب النجباء من أبناء الكويت يُعينونه على تحقيق مشروع وضع الأسس لقيام دولة مدنية، متينة الأركان قوية البناء.
وكان عبد العزيز حسين بما أوتي من علم ومعرفة ونظرة ثاقبة أحد أفراد ذلك الفريق الذي شكله الشيخ عبد الله السالم بثاقب بصره ونافذ بصيرته ليسهم في رفعة البلاد وخدمة العباد.
قصة تسلمه دائرة المعارف
يروي حمد الرجيب (1922-1998) -رحمه الله- قصة تسلُّم عبد العزيز حسين دائرة معارف الكويت في كتابه مسافر في شرايين الوطن إذ يقول: "كان التعليم لدينا يسير على غير تخطيط... وتلاميذ الثانوية يشكون لإلغاء بعض المواد المهمة في منهجهم لعدم وجود مدرسين لها. كنت أنا أيامها مديراً لنادي المعلمين، كان ذلك ضمن مسؤوليتي وعليَّ أن أجد حلّاً لهذه الأمور، شعرنا نحن -المعلمين الكويتيين- في النادي بأن هذا الأمر من صميم مسؤولياتنا وعلينا إيجاد حل لأبنائنا الطلبة... اجتمعنا مع بعض نظار المدارس وهم الأستاذ عقاب الخطيب وكان ناظر مدرسة المثنى، وصالح عبد الملك الصالح ناظر المدرسة الأحمدية، وعبد العزيز الدوسري ناظر مدرسة المرقاب، والمرحوم بدر السيد رجب ناظر المدرسة القبلية، والأستاذ أحمد العدواني -رحمه الله- كان مدرساً في القبلية. اجتمعنا في منزل الأستاذ عقاب الخطيب، وأخذنا آلة كاتبة من دائرة المعارف، وكتب لنا المذكرة على الآلة الكاتبة السيد إبراهيم إسحق، الذي كان يعد أبرع من يكتب على الآلة الطابعة في ذلك اليوم، كتبنا المذكرة عن الوضع المزري للتعليم واقترحنا أنَّ لا أحد يستطيع أن يصلح هذه الأمور ويحس بها إلا شخص يكون أحد أبناء الكويت، وأذكر أننا حملنا المذكرة ووضعنا لكل عضو في مجلس المعارف نسخة، ووقعناها بتوقيعاتنا الصريحة... وأذكر أني حملت كل هذه الظروف إلى دائرة المعارف، من حسن حظنا كان لديهم جلسة الصبح، وأنا أصعد السلم واجهت مدير المعارف المسؤول وهو الأستاذ درويش المقدادي، فسألني: ما هذا، فقلت له: أرجوك خذ هذه الظروف ووزعها على أعضاء المجلس بمن فيهم رئيس دائرة المعارف الشيخ عبدالله الجابر (1900–1996) وخذ لك نسخة.
في المساء بينما كنا في نادي المعلمين نعمل كعادتنا في تحرير مجلة الرائد... وفي حوالي الساعة 12 ليلًا رن جرس الهاتف وإذا بالمتحدث المرحوم الأستاذ عبد اللطيف الشملان سكرتير مجلس المعارف، يطلب مني أن أنتظره في النادي... وفي حوالي الساعة الواحدة صباحاً جاءني الأستاذ عبد اللطيف فرحاً ضاحكاً مسروراً وقال لي: اقرأ هذه البرقية لقد أرسلناها توّاً إلى الأستاذ عبد العزيز حسين.. ولمَّا قرأتها إذا بها تحوي هذا النص: احضر للكويت فوراً. التوقيع: رئيس مجلس المعارف الشيخ عبد الله الجابر، وكانت هذه القصة بداية تسلم الأستاذ عبد العزيز حسين لمهامه الكبيرة في الحركة التعليمية بالكويت"().
لقد أوصى به الشيخ عبد الله السالم الصباح لتولي إدارة معارف الكويت، ودعمه مجلس المعارف المنتخب، وفي مايو 1952 عاد عبد العزيز حسين من لندن ليعين مديراً عامّاً لمعارف الكويت بينما تولى المدير السابق الأستاذ درويش المقدادي () (1898-1961) منصب مساعد مدير المعارف للإفادة من خبراته التربوية. وكان الشيخ عبد الله الجابر الصباح (1900-1996) رئيس المعارف وقتئذٍ.
الطريق ممهد للتطوير
إنّ تولي عبد العزيز حسين إدارة معارف الكويت كان مجالاً حقيقيّاً لتطبيق كلِّ النظريات التربوية والمعارف والعلوم التعليمية على أرض الواقع بعد فترة دراسة سبقتها فترة إشراف على بيت الكويت بمصر.
جاء عبد العزيز حسين والطريق ممهد للتطوير والإنشاء والتنفيذ، جاء والناس كلها في فاقة إلى تطوير التعليم في الكويت، بعدما عرفوا قيمة العلم وأدركوا أهميته، "وكان تعليم الفتاة يلاقي تجهماً من قبل، فصار اليوم ضرورة ملحة، ثم إنَّ المال قد تدفق وملأ الخزائن فلا بد إذن من إنشاء المدارس، والنظر في مناهج التعليم وتعميم العلم ().
جاء عبد العزيز حسين يحمل رؤى تربوية وأحلاماً ثقافية ما لبثت حتى وجدت لها واقعًا تسكن فيه، وبيئة تحتضنها، فوضع خطة لعمل دائرة معارف الكويت تتضمن أسسًا تربوية تستطيع أن تزرع في نفس الجيل الصاعد -في ذلك الوقت- قيم ومبادئ ديننا وثقافتنا الإسلامية العربية ().
وخلال فترة توليه دائرة معارف الكويت (1952-1961) حقق عبد العزيز حسين إنجازاً حضاريّاً وتربويّاً في تطور الحركة التعليمية في الكويت ما زلنا ننعم به حتى يومنا هذا، كما نجح في زرع الهيبة للعملية التعليمية والتربوية.
من إنجازاته في فترة توليه إدارة معارف الكويت:
أولًا: استقدام المعلمين والمعلمات من الأقطار العربية
كانت المشكلة الكبرى التي تواجه عبد العزيز حسين في بداية توليه إدارة معارف الكويت هي مشكلة شح المعلمين والمعلمات في المدارس الكويتية، الأمر الذي حدا به في صيف 1952 إلى السفر بنفسه إلى بعض الأقطار العربية مثل: لبنان وسوريا والأردن والعراق، كما سافر إلى القاهرة للتزود من المدرسين وسواهم من الفنيين والتربويين وشهد في هذه الفترة ثورة 23 يوليو 1952، وقد عاد عبد العزيز حسين من القاهرة وهو يحمل تأييداً كبيراً من مصر لمعونة الكويت ودعم نهضتها التعليمية.
ثانيًا: مجانية التعليم
أدرك عبد العزيز حسين أن الثروة النفطية المتدفقة على البلاد تتضاعف وتتنامى كلما وجهت نحو العناية بالإنسان الكويتي ورعايته تعليميّاً، فلا سبيل للتقدم والارتقاء دون تعليم، وقد قال في إحدى افتتاحيات مجلة البعثة: "التعليم حق مشاع للجميع، وليس وقفًا على أحد" كما كان يسعى إلى سَنِّ القوانين التي تجعل التعليم إلزاميّاً لكل الأفراد، وقد تم ذلك عام 1965 بعد أن ترك دائرة معارف الكويت وصار وزيراً للدولة.
لقد كان رحمه الله يرى أن بالعلم يتحقق التقدم للبلاد، والقوة الشبابية المرعية من الدولة رعاية علمية وخدماتية هي الثروة الحقيقية التي تمد الشعب بالقوة الأدبية والمادية والتي تكفل له حياة كريمة. لذا حرص على دعم المجانية التامة للتعليم، وتم تخصيص الميزانية الكبرى للتعليم في الكويت، فالدولة تتكفل بالكتب والأدوات المدرسية والقرطاسية، ونقل التلاميذ من وإلى المدرسة، وتوحيد الزي المدرسي لإزالة الفوارق الاجتماعية، كما تتكفل أيضاً بتوفير الوجبات الغذائية للطلبة، فضلاً عن تقديم بعض المكافآت المالية لطلاب وطالبات المعاهد التي ترى المعارف تشجيع الالتحاق بها، كطلبة الكلية الصناعية ومعهد المعلمات والمعهد الديني.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتداء الزي الموحد كان اقتراحًا تقدم به عبد العزيز حسين عندما عين مديرًا لمعارف الكويت، فطلب من الطلاب أن يرتدوا القميص والبنطلون أثناء الدوام المدرسي، وحتى يشجع الطلبة وأولياء الأمور على ارتداء هذا الزي أوعز إلى كلِّ العاملين في الإدارة بارتداء البدلة بمن فيهم هو نفسه.
إن عبد العزيز حسين كان يريد أن يؤسس الإنسان القدوة، الإنسان النموذج الذي إذا أراد فرض أمرٍ على الآخرين كان هو أول السباقين إلى تنفيذه حتى يتبعه الآخرون. وظل عبد العزيز حسين مرتدياً البدلة طوال حياته فلم نرَه مرتديًا الدشداشة يوماً.
كادر/////
دور المعلمون العرب في العملية التعليمية بالكويت
لقد أسهم أولئك المعلمون إسهامًا كبيرًا في دفع العملية التعليمية في الكويت إلى الأمام وتحقيق حلم عبد العزيز حسين في تعليم المجتمع وتثقيفه، وحرص عبد العزيز حسين على تهيئة الأجواء المناسبة للمعلمين والمعلمات وبذل كل الجهد في توفير الاستقرار النفسي والاجتماعي لهم. وهذا الأستاذ يحيى محمد، المدرس بمدرسة المرقاب للبنين يكتب قصيدة مطلعها:
يا أخي يا أخي المعذب في الأرض تعــانـي مــرارة الحرمــان
يقول في آخرها مادحاً أمير البلاد الشيخ عبد الله السالم الصباح -رحمه الله- ومشيراً إلى الأستاذ عبد العزيز حسين:
فلنسِر في حمى الأمير لنبني ما رعاه الأمير من بنيان
وحبـاه "عبد العزيز" بفكـر عبقري وحكمة وبيان
وكفانا مجــداً بأنَّا خلقنـا نتفانى في خدمة الإنسان
0 التعليقات:
أضف تعليقك