الكل أجمع على محبته وتقديره (الحلقة العاشرة)
عبد العزيز حسين والأصدقاء.. شبكة اجتماعية واسعة تمتد بامتداد الوطن العربي
- الشاعر القدير أحمد مشاري العدواني أعز أصدقائه. ظلا صديقين حميمين طوال خمسين عاماً
- من أصدقائه السفير والوزير والفنان حمد عيسى الرجيب وأحمد عيسى السعد وعبد الله الجار الله وخليفة الغنيم
- رافقه الأديب المؤرخ أحمد البشر الرومي في رحلته إلى إمارات ساحل عمان بعد توليه إدارة معارف الكويت
- يذكر ابنه البكر "هاني" أن والده كان يعشق البحر ويهوى الحداق (صيد السمك) وكان يستهويه الجلوس أمام البحر
بعد أن استعرضنا على مدى 9 حلقات سابقة تاريخ عبد العزيز حسين (رحمه الله)، وإنجازاته ودوره الكبير في رفع اسم الكويت عالياً على الصعيد الثقافي والاجتماعي والرسمي، فإننا سنستعرض خلال هذه الحلقة علاقاته بأصدقائه والتي تجاوزت حدود الجغرافيا لتمتد إلى حدود خارجية كثيرة، بدءاً من دول الخليج العربي ووصولاً إلى العديد من الدول العربية والافريقية.. بل وحتى الأوروبية.
يتمتع عبد العزيز حسين بصداقات واسعة تمتد بامتداد الوطن العربي، فهو صاحب شبكة علاقات كبيرة، الكلّ أجمع على محبته وتقديره، ودوره في الحياة الثقافية العربية.
ويأتي الشاعر القدير أحمد مشاري العدواني (1923-1990) على رأس أصدقائه، فقد جمعتهما الدراسة خارج الكويت منذ عام 1939، وظلا صديقين حميمين طوال خمسين عاماً حتى اختار الموت العدواني في يونيو 1990، وقد شكلا علاقة وثيقة وصداقة متينة قطبها الحب ورحاها الثقافة، "إنهما صنوان متشابهان فكلاهما واقعي براغماتي، ومع أن العدواني شاعر رقيق الشعر عذبه إلا أن شعره واقعي بعيد عن الخيال الجامح ومغايرة الواقع، وكلاهما عربي الهوى واللسان والفكر، وكلاهما وإن عملا في الكويت إلا أن آثار عملهما امتدت إلى العالم العربي كله، وكلاهما آثر العمل دون أضواء ودون إعلان عن الذات، وكلاهما على درجة كبيرة من الذكاء، كلاهما قدم جهدًا خالصًا دون انتظار جزاء أو ثمن".
ومن أصدقائه أيضًا السفير والوزير والفنان حمد عيسى الرجيب (1922-1998)، وأحمد عيسى السعد، وعبد الله الجار الله، وخليفة الغنيم.
ومن أصدقائه أيضًا الأديب المؤرخ أحمد البشر الرومي (1905-1982) الذي رافقه في رحلته إلى إمارات ساحل عمان (دولة الإمارات العربية المتحدة حاليًّا) بعد توليه إدارة معارف الكويت، وهي رحلة استكشافية قاما بها لحساب دائرة معارف الكويت، وقد استغرقت الرحلة ثمانية أيام (15-22 مارس 1953) وقدما في نهايتها تقريرًا مفصلًا عن الحالة التعليمية في هذه الإمارات، فقررت مديرية المعارف إيصال جهدها التعليمي إلى إمارات ساحل عمان، وكانت الكويت تتكفل بالمدارس وصيانتها وتقوم بإرسال المناهج الدراسية وإرسال المعلمين.
ويقول عبدالعزيز حسين: "لست أنسى بخاصة جهود السيد مرشد العصيمي المشكورة وكان مقيمًا في دبي وقد أخذ على عاتقه الإشراف على هذه المدارس متطوعًا لوجه الله، وكان يمدها من عنده بحاجتها فكأنما كان بمثابة وكيل لوزارة التربية، وكان الطعام يوزع على الطلاب كما توزع الملابس...".
يذكر ابنه البكر "هاني" أن والده كان يعشق البحر، ويهوى الحداق (صيد السمك)، وكان يستهويه الجلوس أمام البحر خاصة بعد أن تقدمت به السنون، فالبحر يمنحه الهدوء والاسترخاء، وتحلو له القراءة على ضفافه، كان يمارس الحداق في جزر الكويت (كُبْر، أم المرادم) وكان حَداقًا ماهرًا، وكان يصحبه في مثل هذه الرحلات أصدقاء منهم: سعود المقهوي، وسعود الفوزان، وخالد الخرافي، ومحمد مدوه.
أما أصدقاؤه عربيًّا فهم كُثر، ولكن من أخصهم وأقربهم إليه الكاتب القصصي أمين يوسف غراب (1914-1971)، والصحفي المشهور زكريا نيل (1919-2012)، والدكتور سليمان حزين (1909-1999)، وزير الثقافة المصري الأسبق ورئيس الجمعية الجغرافية المصرية.
وفاته:
توفي يوم الأحد 22 من محرم 1417هــ الموافق 9 يونيو 1996 عن 76 عامًا. ووري جثمانه الثرى صباح الاثنين 24 يونيو في مقبرة الصليبيخات.
عبد العزيز حسين، ومحاضراته في معهد البحوث والدراسات العربية (1960)
لقد وسَّع عبدالعزيز حسين حدود الكويت الجغرافية من بلد صغير يقع على ضفاف الخليج إلى بلد بات يستوعب الآخرين بحبٍّ كبير، وصار بيتًا لكل العرب، وصارت الكويت بلاد العرب، حمل الكويت في قلبه وعلى عاتقه وراح يتحدث عن جغرافيتها وتاريخها البعيد والقريب، وبيئتها البحرية، وكذلك بيئتها البدوية، وقصة النفط بالكويت وما أنتجته من بيئة صناعية، وعن طبيعة المجتمع قبل ظهور البترول وبعده، وتطور نظام الحكم والإدارة بالكويت، وركز في قصة التعليم في الكويت التي كانت وراء ما وصل هو إليه شخصيًّا، وما آلت إليه الكويت من تقدم وتطور على يد أبنائها بفضل حرصها على التعليم للجنسين ولكل الأعمار، وما قام به هو من تقييم لوضع التعليم في الخمسينيات عندما كان مديرًا لمعارف الكويت.
فجاءت كلّ تلك القضايا في سلسلة من المحاضرات ألقاها –قبل الاستقلال- في معهد البحوث والدراسات العربية التابع آنذاك لجامعة الدول العربية في القاهرة، رسم فيها صورة أمينة لمجتمع الكويت قبل الاستقلال في نسقه القومي العربي وإطاره الإقليمي الخليجي وتكوينه الخاص المحلي، وصدرت الطبعة الأولى من كتاب محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت عام 1960 عن معهد الدراسات العربية العالمية.
وفي عام 1994 أعادت دار قرطاس للنشر والتوزيع طباعة الكتاب بطبعة جديدة منقحة، قدّم لها الأستاذ "أحمد الديين" مضيفًا إليها بعض الهوامش التي تُجدد بعض ما ورد في الكتاب من معلومات تقادمت، كما أشار الديين في المقدمة إلى أنه حذف أسطرًا قليلة في مواضع أربعة من المتن، ولم يغير هذا الحذف المعنى أو يُخِل بالسياق.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الطبعة صدرت في حياة المؤلف عبدالعزيز حسين وقبل وفاته بعامين، ومن المؤكد أنه بارك ما قام به الديين من حذف وهوامش. وقد اُعتمدت هذه الطبعة في هذا الكتاب بعدما حصلت على إذن شفوي من الأستاذ الديين يسمح لي بإعادة طباعة الكتاب ضمن آثاره الأدبية.
محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت
الفصل الأول..الخليج العربي
يجدر بنا قبل أن نتحدث عن الكويت، أن نُلِم في هذا الفصل إلمامة سريعة بالخليج العربي الذي تقع الكويت في الشمال الغربي منه.
الخليج العربي أو الخليج الفارسي أو خليج البصرة، أسماء تتوارد على مسمى واحد. كان الاسم الشائع القديم هو الخليج الفارسي، وصارت هذه التسمية واشتهرت على الرغم من كون الخليج عربيًّا وأكثر سكانه على جميع ضفافه عرب ينتمون إلى جزيرة العرب أصولًا وفروعًا، وظل العرب يسمونه بالخليج الفارسي إلى ما قبل سنوات حينما استغلت بعض الدول اسمه الاصطلاحي وحاولت أن تضع له مضامين سياسية، فخشي أبناء الخليج والكويتيون بصفة خاصة، عواقب هذه التسمية وما يمكن أن تجره من أخطار قد تشجع الطامعين في النيل من عروبة الخليج فأطلقوا عليه "الخليج العربي" وأشاعوا هذه التسمية في كتبهم وصحفهم، وعنهم انتشرت في البلاد العربية، وهكذا طابق الاسم المسمى، وقديمًا قال أحد المؤرخين العرب: "ليس في الخليج شيء فارسي إلا اسمه"، يقصد بذلك أن سكانه عرب، وأن حركة الملاحة فيه عربية، وأن طابعه العام عربي صرف.
ومن المؤسف أن بعض الخرائط العربية لا تزال تحفظ له اسمه القديم، الأمر الذي يجرح شعور عرب الخليج ويغمز عروبتهم، هذا بالإضافة إلى أن تسميته بالخليج الفارسي إنكار لحقيقة جغرافية ثابتة.
ويمتد الخليج العربي من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي بين هضبة إيران شرقًا وهضبة بلاد العرب غربًا، بين خطي عرض 24 ْ و30 ْ شمالًا وبين خطي طول 47 ْ و57 ْ شرقًا، وتبلغ مساحته نحو 100 ألف ميل مربع تقريبًا، ويبلغ أقصى اتساع له 180 ميلًا، ويبلغ طول ساحله 600 ميل.
ونستطيع أن نقسم سواحل الخليج إلى أقسام ثلاثة:
- السواحل الغربية: وتتكون من سهول منبسطة تكتنفها بعض التلال، وأكثرها قاحلة لقلة المياه، وأصلح أجزائها من الناحية الزراعية هي واحات الإحساء والبحرين وبعض مناطق محدودة من ساحل عُمان. وتكثر في هذه السواحل الشعب المرجانية والجزر الصغيرة والأخوار، وهو ساحل ضحل في معظم أجزائه.
- السواحل الشرقية: والسهول التي تحف بهذه السواحل ضيقة لشدة انحدار جبال إيران الواقعة عليها، وتمتد قرب هذا الساحل عدة جزر أكبرها جزيرة قشم عند مضيق هرمز، وعمق الخليج عند هذا الساحل أكثر منه عند الساحل المقابل.
- السواحل الشمالية: وتشمل سهول العراق الجنوبية التي يجري فيها شط العرب، وإقليم عربستان ويجري فيه نهر كارون. وأكبر جزر هذا الساحل جزيرة بوبيان التابعة للكويت. وتكثر الرواسب التي يلقيها شط العرب ملتقى نهري دجلة والفرات في شمالي الخليج الذي يتراجع باستمرار نحو الجنوب، حتى إنه يقدر أنه تراجع حوالي 325 كيلومترًا في مدى الألفي سنة الماضية.
لقد كانت شبه جزيرة العرب في العصور الجليدية تسودها الأمطار وكانت غنية بالنباتات والحشائش، وكانت كل الظروف المناخية والنباتية في سواحل الخليج العربي تسمح بقيام الحياة ونشوء الحضارات، وتدل الآثار والحفريات التي اكتشفت حديثًا على صحة ذلك.
وكان الخليج ولا يزال محط أنظار العالم وموضع اهتمامهم في العصور القديمة والحديثة معًا، مع اختلاف الزمن وتغير الظروف والأسباب، فتارة يظهر على مسرح السياسة العالمية بسبب موقعه الجغرافي، وتارة بسبب خيراته المتكدسة في أرضه ومائه، وهو في كل مرة عامل مثير لرجال السياسة والاقتصاد معًا.
والخليج العربي عريق في حضارته وتراثه، فلقد وضعه مركزه الجغرافي موضع صلة بين ممالك العالم القديم ودوله، وكان المدخل إلى حضارة ما بين النهرين والشام، والطريق إلى الهند والشرق الأقصى، وبهذا أصبح مركز تجمع وتوزيع لحضارات مختلفة، وموقعًا استراتيجيًّا مهمًّا يتحكم في الممر إلى تلك الحضارات والأسواق، والدولة التي تتحكم في ممراته يمكنها أن تسيطر أو تملي إرادتها على الدول الأخرى. على أن الخليج لم يكن ممرًّا بحريًّا للتجارة أو الحضارة فقط، بل كان له تراثه الحضاري الخاص به. والمعروف أن الحضارات القديمة كانت تنشأ إما بجانب نهر أو بجانب بحر، والخليج العربي بحر يتصل بنهر هو شط العرب، فلا غرابة أن يكون مهد حضارات قديمة. ولقد دلت الحفريات التي أجريت في البحرين أخيرًا أنها كانت موطنًا لحضارات موغلة في القدم، كما تدل تباشير الحفريات التي تجرى الآن في جزيرة فيلكا التابعة للكويت أن حضارة قامت في هذه الربوع منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، وأنها ذات طابع خاص، تدل على ذلك مجموعة الأختام الكبيرة التي وجدت هناك. وهي أختام مستديرة كل ختم له نقش يختلف عن الآخر، وهي تختلف عن أختام العراق الأسطوانية وأختام الهند المربعة. وربما كانت جزيرة فيلكا هذه هي التي عناها المؤرخ اليوناني القديم "آريان" الذي دوَّن أخبار الإسكندر عام 170 ميلادية، فقد ذكر هذا المؤرخ أن جنود الإسكندر أقاموا في جزيرة شمالي الخليج بعد أن أبحروا جنوبي العراق، وقد وجدوا أن أهل هذه الجزيرة قد شيدوا هياكل ومعابد عديدة، وأن أحد هذه المعابد قد أقيم لأرتميس إله الصيد والقمر. وقد اكتشف أحد هذه المعابد في جزيرة فيلكا. وفي مارس سنة 1960 وجدت فيه لوحة حجرية منحوتة تتضمن رسالة موجهة إلى حاكم جزيرة "إيكاروس".
هذا، ويرجح المؤرخون أن موطن الفينيقيين الأصلي كان على ساحل الخليج العربي، ولما انتقلوا إلى الشمال نقلوا إلى الشام أسماء بعض بلادهم التي هاجروا منها مثل "صور" و"جبيل".
وقد وجدت في جزر البحرين مجموعة كبيرة من القبور استرعت نظر علماء الآثار، وهي تشبه في طريقة بنائها تلك الطريقة المعروفة عند الفينيقيين، وقد لاحظ الجغرافي اليوناني "سترابو" (63 ق.م. و19 ب.م.) ذلك وذكر هذا الشبه. كما ذكر هيرودتس في أول تاريخه أن الفينيقيين جاءوا من سواحل هذا الخليج.
0 التعليقات:
أضف تعليقك