• رئيس التحرير: ماجد التركيت
الأحد 09/مارس/2025
عبدالعزيز حسين وراء تأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ومعهد الكويت للبحث العلمي

عبدالعزيز حسين وراء تأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ومعهد الكويت للبحث العلمي

كان له فضل كبير في الحركة الفكرية العربية المعاصرة (الحلقة الثامنة)

عبدالعزيز حسين وراء تأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ومعهد الكويت للبحث العلمي

  • كان يحلو له أن يُنادَى بأبي هاني اعتزازاً بشخصية ابن هانئ الأندلسي
  • تعسرت الإحاطة بكلِّ جهود عبدالعزيز حسين الثقافية محليّاً وعربيّاً إذ له في كلّ مجال بصمة
  • قرأ عبدالعزيز حسين الأدب القديم واستظهر معظم روائعه وحفظ لشعراء جمة
  • عبدالعزيز حسين إنسان عابر للزمان والمكان..صالح لكل العصور

 

ذكرنا في الحلقة السابقة أن عبدالعزيز حسين كان يحمل الكثير من المشاريع الثقافية الكبيرة عربيّاً ومحليّاً، وراح يسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع، وقد حالفته الظروف في تحقيق بعضها بينما خالفته ظروف أخرى في تحقيق بعضها الآخر.

ويقول في إحدى مقابلاته الصحفية:

"... على أنه رغم مرور هذه الفترة الطويلة منذ عملي في التعليم فإنني أحس بأنني ما زلت مرتبطاً به وبمجاله التربوي والثقافي ولعل ذلك كان السبب الرئيسي في اهتمامي بالشؤون الثقافية خلال عملي في الوزارة وتأكيدي على دور الثقافة في التنمية، ومحاولة إقامة مؤسسات ثقافية، والإسهام في المنظمات الثقافية العربية والدولية، لما لها من أثر عميق في تقدم المجتمع ولاتساع مجالاتها وقدرتها على توثيق الروابط الوطنية والقومية والإنسانية".

ومن أهم السمات التي كان يتمتع بها عبدالعزيز حسين في عمله أنه دوماً كان يقرن عمل الدولة بالثقافة الحديثة والمحافظة على توازن المواطن بين المستجدات الحضارية ووعيه بها واستيعابها. وربما أكبر إسهام له في تاريخ النهضة في الكويت الحديثة أنه تمكن من أن يوفق توفيقاً كبيراً بين "الحداثة" و"التراث".

 

وكما ذكرنا أيضاً، فقد أوصى مؤتمر وزراء الثقافة العرب في اجتماعهم في طرابلس "ليبيا" مطلع 1979 بدعوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى اتخاذ الإجراءات التنفيذية لوضع خطة شاملة لتنمية الثقافة العربية، وبتشكيل لجنة لهذه الغاية، وحين اجتمع المجلس التنفيذي للمنظمة في الطائف عام 1979 أصدر قراراً بتسمية عبدالعزيز حسين رئيسًا للجنة بصفته الشخصية، وفي 15 أغسطس 1981 صدر قرار بتسميتها واختيار أمينها العام، وذلك على النحو التالي:

 

أولاً: المشاريع الثقافية العربية (وقد تم ذكرها بالتفصيل في الحلقة السابقة)

 

ثانياً: المشاريع الثقافية المحلية: يقول حسن علي الدباغ: "... وما زلت أذكر أني على كثرة ما تحدثت إليه لم يذكر من عمله في الوزارة غير أحد موضوعين يتكلم عنهما كما يتكلم الأب عن ابن عزيز عليه يحيطه برعايته ولا يألو جهدًا في حسن تربيته.. فأما أحدهما فهو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي له فضل كبير في الحركة الفكرية العربية المعاصرة، وأما الثاني فهو معهد الكويت للبحث العلمي.

 

المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب

كانت الحاجة ملحة لإنشائه بعد أن ثار الفنانون الكويتيون في مطلع السبعينيات، للمطالبة بعدد من القضايا، وبعد تشكيل لجنة لهذا الأمر لاحتوائه خلصت اللجنة ووزير الدولة عبدالعزيز حسين إلى ضرورة إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

يقول عبدالعزيز حسين: " كان القصد من إنشائه هو سد الثغرات التي نحس بها في مجال الثقافة وغياب الجهة التي يمكن أن يسند إليها العديد من الأنشطة الثقافية التي تستطيع الكويت النهوض بها، وإعطاء الثقافة حقها في الاهتمام في عالم أصبح للثقافة فيه الدور الفعال في مجال التنمية الفكرية والاجتماعية.

ففي جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 4 مارس 1973 تمت التوصية بإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون، والآداب، وفي إبريل 1973 اختار عبدالعزيز حسين بصفته رئيس المجلس الأديب الشاعر أحمد مشاري العدواني أميناً عامّاً للمجلس، وفي 17 يوليو 1973 صدر المرسوم الأميري بإنشاء المجلس.

يقول عبدالعزيز حسين: "أتيح لي أن أعمل وزيراً في أول وزارة دستورية في الكويت، فاقترحت على الإخوة إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ووجدت تجاوباً لقيام هذه المؤسسة الخطيرة والمهمة التي ركزت على نشر الثقافة محليّاً وعربيّاً. وأنا أنظر دائماً إلى الثقافة على أنها تراث عربي يجب أن يسهم به كل بلد عربي من منطلق أن هذا الإسهام هو جزء من العمل العربي الموحد. ولذلك فإن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدأ بالنشر والترجمة لعديد من الكتب والمسلسلات على أن تكون للقارئ العربي وليس للقارئ الكويتي فحسب. وقام بأسابيع ثقافية تقام في البلاد العربية، وكانت تقام أيضاً أسابيع عربية في الكويت. وبدأ بمعرض الكتاب العربي الموسع، وكان المعرض عربيّاً وليس كويتيّاً مقتصراً على الإنتاج الكويتي.

 

معهد الكويت للأبحاث العلمية

كان أحد أحلامه العلمية التي يتطلع إليها، وجزءاً من رؤيته الثقافية والتعليمية التي يسعى إليها، خاصة أنه قد تعرف على مثل تلك المعاهد في أوروبا أثناء دراسته، وسنحت الفرصة لإنشائه حين وجد مع زملائه أن فقرة في اتفاقية النفط مع اليابان تسمح بإقامته على حسابها، وقد تم الأمر على ذلك، وأنشئ في عام 1967، وسرعان ما تطورت أوضاعه ليصبح شخصية اعتبارية ومؤسسة عامة عام 1981، يديرها مجلس أمناء على رأسه عبدالعزيز حسين لسنوات طويلة، وأبحاث المعهد في جملتها كويتية خالصة.

يقول أحمد خضر عن عبدالعزيز حسين: "لا يمكن قراءة إنجازات عبدالعزيز حسين الثقافية إلا في ضوء هذين الاتجاهين:

الأول: تحقيق الأمن الوطني الكويتي من خلال ربط الكويت بعمقها العربي وتعزيز دور الكويت الثقافي والسياسي.

الثاني: تحقيق التقارب العربي من خلال نهضة تربوية وثقافية شاملة تجعل العقول تدرك الضرورات التاريخية لهذا التقارب والتعاون.

 

الجهود الثقافية

تعسرت الإحاطة بكلِّ جهود عبدالعزيز حسين الثقافية محليّاً وعربيّاً إذ له في كلّ مجال بصمة، وفي معظم اللجان عضوية، وفي المشاريع الثقافية لمسة وفكرة لا يمكن تجاوزها. وهذا ثبتٌ ببعض مساهماته نضعها سرداً دون تفصيل:

 

أولاً: في الكويت

  1. عضو مؤسس في الجمعية الكويتية لمكافحة التدخين.
  2. عضو مؤسس في رابطة الأدباء الكويتيين.
  3. عضو مؤسس في جمعية حماية البيئة في الكويت.
  4. عضو مؤسس في نادي الصيد والفروسية.
  5. عضو مؤسس في عدد من الأندية الرياضية التي نشأت تحت رعايته في الكويت.

 

ثانياً: خارج الكويت

  1. عضو مؤسس في المركز الدولي للخدمات الثقافية في بيروت.
  2. عضو مؤسس في مركز الفنون الإسلامية في إسطنبول.
  3. عضو مؤسس في المؤسسة الثقافية العربية في بيروت.
  4. عضو في لجنة اليتيم العربي في القدس.
  5. عضوية المجلس التنفيذي لليونسكو في باريس.
  6. عضوية مجلس أمناء معهد تاريخ العلوم عند العرب في فرانكفورت.
  7. رئاسة اللجنة التنفيذية لكلية العلوم والتكنولوجيا في القدس.
  8. لجنة الخطة الشاملة للثقافة العربية.

 

كما تم تكليف عبدالعزيز حسين بعد خروجه من الوزارة في:

  1. اختيار مدير جامعة الكويت.
  2. رئاسة لجنة توثيق تاريخ التعليم في الكويت.
  3. إنشاء متحف التعليم برئاسته.

 

ثقافته:

كانت لمكتبة والده "الملا حسين" دور كبير في ثقافته، فقد تفتح وعيه على هذه المكتبة الغنية والثرية بالكتب والمخطوطات، فأخذ ينهل منها فضلًا عن الميل الفطري لدى أسرته إلى حب العلم والثقافة.

يقول محمد ملا حسين في معرض حديثه عن أسرته: "إن تعلق والدي ومن قبله والده وأجداده بالعلم والمعرفة سواء الدينية منها أو الأدبية أو الثقافية عامة، وكذلك توفر المراجع والمؤلفات هيَّأ لي أنا فرصة التوجه للتعليم وسعة الاطلاع"، ولا يكاد يخلو بيت من بيوت أسرة التركيت إلا وكانت فيه مكتبة على الرغم من ظروف الحياة الصحية آنذاك، كما يحدثنا محمد ملا حسين عن مكتبة والده قائلًا: "وقد امتلك والدي مكتبة زاخرة بمختلف المؤلفات الأدبية والدينية والتاريخية كان من بينها على ما أذكر: شرح القاموس للزبيدي، تاريخ الطبري، نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري، تاريخ ابن خلكان، معجم البلدان لياقوت الحموي، ودواوين لشعراء مثل: المتنبي والبحتري والأخرس البغدادي، وكانت كل هذه المؤلفات تحت تصرف رواد ديوان والدي طوال حياته التي امتدت حتى عام 1962.

ومن أهم المخطوطات التي كانت موجودة في مكتبة والده والتي ورثها عنه مخطوطة كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس وهي منسوخة بخط أنيق وضبط دقيق، قام بنسخها مسيعيد بن أحمد بن مساعد بن سالم في فيلكا عام (1094هـ-1682م)، وتأتي أهمية هذا المخطوط لأنه يثبت أن الكويت كيان سياسي يتجاوز الثلاث مئة سنة.

كما قرأ عبدالعزيز حسين الأدب القديم واستظهر معظم روائعه وحفظ لشعراء جمة، منهم: المسيب بن علس الذي يقول عنه: "هذا الشاعر البحريني [المسيب بن علس] القديم، الذي أولع بالحديث عن صيد اللؤلؤ فجسد لنا شخصية المنطقة بقصائده الرائعة، وخطط لحياتها الاقتصادية والاجتماعية منذ أن أخذ يرسم إطاراً من صور الشعر له خصائص الشعر المسرحي لأنه يقوم على التشخيص والتجسيد، فرأينا من خلال الإطار الشعري كيف تعيش هذه المنطقة من عالمنا العربي قبل فجر الإسلام، وكيف صارع الإنسان العربي فيها قوى الطبيعة ممثلة في أعماق البحر، وأقاصي الأرض، حيث كان يبحث عن محارات اللؤلؤ أو يرتاد سبل الرزق برحلاته.

كما قرأ لطرفة بن العبد ذلك الشاعر البحريني -كما يقول- الذي حَدَّد كغيره من الشعراء سمات الشخصية العربية. وكان يحب شعر المتنبي ويقرأ شعر زهير بن أبي سلمى والبحتري، كما أنه كان مغرمًا بالأدب العالمي.

وكان يحلو له أن يُنادَى بأبي هاني اعتزازًا بشخصية ابن هانئ الأندلسي، (326-362هـ) شاعر المغاربة الذي يقابل المتنبي عند أهل المشرق.

إن عناية عبدالعزيز حسين بالثقافة والتعليم كانت نابعة من عناية والده وأجداده بالعلم والثقافة والمعرفة، فهو امتداد لبيت مشغول ومأخوذ بالعلم والثقافة.

لقد كانت الثقافة عند عبدالعزيز حسين الكيان الذي يُحقق من خلاله ذاته وإنسانيته، كلّ عمل يعمله كانت الثقافة محوره وهدفه، وكان يقول: "إن الثقافة تعطينا القدرة على التعامل العقلاني، والذكي مع الواقع، وهي التي تمدنا برؤية تتجاوز الواقع الآن، لتطل على المستقبل.. فالثقافة عنصر مهم من عناصر التنمية، ورابط لا غنى عنه للبناء الاجتماعي.

ولا غرو أن أثمرت هذه الثقافة والمطالعة المستمرة مكتبة تجاوزت الخمسة عشر ألف كتاب، وهي مكتبة شاملة متنوعة في معظم الفنون والعلوم، فلم يكن يُقصِر قراءته على علم بعينه، بل كان موسوعي القراءة والثقافة، فجاءت مكتبة متنوعة المعارف، مختلفة المصادر، وقد أوصى بأن تكون مكتبة متاحة للجميع.

 

لغته

يتمتع عبدالعزيز حسين بلغة سليمة صافية تُسقى من عين آنية، ليس فيها صخب ولا لغوب، بسيطة التركيب، تحمل معاني إنسانية وتوجيهات علمية، خالية من التشدق والتنطع لفظاً، ومن التعسف والابتذال عبارةً، القرآن الكريم معينها والثقافة الدينية واللغة الشعرية مشربها.

ينزع نحو اللغة العلمية الأدبية التي تسير بين العلم والأدب، فلا تدفعنا نحو النفور منها لصعوبتها، ولا تجعلنا نستخف بها لابتذالها، إنه كان يتخذ بين هذا وذاك سبيلاً. 

ونكاد نرى أثر ثقافته وقراءاته واضحاً في لغة مقالاته الافتتاحية في مجلة "البعثة" التي تشي بصاحب عقلية منظمة ورؤية واضحة، ومعرفة عميقة وواعية على الرغم من حداثة سنه واخضرار عوده. 

 

صفاته

 كان ذا خلق رفيع وعواطف إنسانية متدفقة، جمَّ التواضع، لطيف المعشر، زكي القلب، حسن الطوية، قليل الكلام، دائم الابتسام، هادئ الطبع، حاضر البديهة، واسع الصدر، ثاقب الفكر، بعيد النظر، جلوداً، صبوراً، وقوراً حاد الذكاء، ترتسم عليه علامات الهيبة، يميل إلى الدعابة دون ابتذال، يحيط بمن حوله بجناح الأبوة والرعاية، يتسم بالحكمة والتعالي عن الصغائر والرقة والنزاهة، فيه شيء من الكبرياء الفكري والاعتداد بالنفس، سديد التفكير، نير الأفكار، له بعد نظر في الكويت ومستقبل أبنائه.

عبدالعزيز حسين إنسان عابر للزمان والمكان، صالح لكل العصور، أجمع كل من عرفه وتعامل معه على إنسانيته، وحسن معشره، عربي الهوى، كويتي الجذور والانتماء، سليم العقيدة، منكر للذات، عصامي التكوين، ينطبق عليه قول ابن الوردي:

لا تقلْ أَصلي وفصلي أبداً       إنما أصلُ الفتى ما قدْ حصلْ

قيمةُ الإنسانِ ما يحسِنُهُ       أكثرَ الإنسانُ منهُ أوْ أقلْ

اكتفى بأن يُعْرف بـ "عبد العزيز حسين" دون إضافة اسم عائلته، وفي هذا ملمح من ملامح إنكار الذات والاعتزاز بالنفس، والتأكيد على أنه عصامي التكوين وليس عظاميّاً.

ويصفه صديقه زكريا نيل قائلاً: "كان عبدالعزيز حسين خفيض الصوت فيه رزانة تكسوها ابتسامة تعبر صفحة وجهه من لحظة إلى أخرى، متعصب لعروبته وللكويت قبل أيّ شيء آخر، كان يؤمن بأن صمام الأمن الوطني والمستقبلي للكويت هو في قيادة آل الصباح.

كما كان نظيف اليد، لم تغرِه الأموال ولم تفسده المناصب، ملايين الدنانير تحت يديه تدور حوله، ولكنه كان محصناً ضد الغنى والثروات، ومع ذلك يلجأ بعد فترة لاستبدال جزء من راتبه التقاعدي.

0 التعليقات:

أضف تعليقك