خلال الفترة من 1952-1961.. إنجازات عديدة حققها عبدالعزيز حسين خلال توليه دائرة معارف الكويت (الحلقة الخامسة)
*سَنِّ عبدالعزيز حسين القوانين التي تجعل التعليم إلزاميًّا لكل الأفراد.. وقد تم ذلك عام 1965
* بلغ عدد المبعوثين للدراسة خارج الكويت على نفقة الحكومة 248 مبعوثًا سنة 1960
* دَعَّم عبدالعزيز حسين تعليم البنات عبر إنشاء المدارس وفتح البعثات الخارجية لهن
*استدعى عبدالعزيز حسين الأساتذة الذين لهم باع طويل في التعليم وشكَّل منهم لجنة لتقييم الوضع التعليمي
تواصل "ايكونيوز" سرد السيرة العطرة لحياة الراحل عبدالعزيز حسين الذي يعد واحداً من أعمدة الفكر الثقافي والعربي وقائد التنوير الفكري والثقافي عربياً وخليجيا.
وفي الحلقة الخامسة من هذه السيرة يتطرق الدكتور عباس يوسف الحداد إلى أهم إنجازات عبد العزيز حسين خلال الحقبة التي تولى فيها إدارة دائرة معارف الكويت (1952-1961)، والتي حقق خلالها إنجازًا حضاريًّا وتربويًّا في تطور الحركة التعليمية في الكويت ما زلنا ننعم به حتى يومنا هذا، كما نجح في زرع الهيبة للعملية التعليمية والتربوية.
أهم إنجازاته
أولًا: استقدام المعلمين والمعلمات من الأقطار العربية
كانت المشكلة الكبرى التي تواجه عبدالعزيز حسين في بداية توليه إدارة معارف الكويت هي مشكلة شح المعلمين والمعلمات في المدارس الكويتية، الأمر الذي حدا به في صيف 1952 إلى السفر بنفسه إلى بعض الأقطار العربية مثل: لبنان وسوريا والأردن والعراق ، كما سافر إلى القاهرة للتزود من المدرسين وسواهم من الفنيين والتربويين وشهد في هذه الفترة ثورة 23 يوليو 1952، وقد عاد عبدالعزيز حسين من القاهرة وهو يحمل تأييدًا كبيرًا من مصر لمعونة الكويت ودعم نهضتها التعليمية .
ثانيًا: مجانية التعليم
أدرك عبدالعزيز حسين أن الثروة النفطية المتدفقة على البلاد تتضاعف وتتنامى كلما وجهت نحو العناية بالإنسان الكويتي ورعايته تعليميًّا، فلا سبيل للتقدم والارتقاء دون تعليم، وقد قال في إحدى افتتاحيات مجلة البعثة: "التعليم حق مشاع للجميع، وليس وقفاً على أحد" كما كان يسعى إلى سَنِّ القوانين التي تجعل التعليم إلزاميًّا لكل الأفراد، وقد تم ذلك عام 1965 بعد أن ترك دائرة معارف الكويت وصار وزيراً للدولة.
لقد كان رحمه الله يرى أنه بالعلم يتحقق التقدم للبلاد، والقوة الشبابية المرعية من الدولة رعاية علمية وخدماتية هي الثروة الحقيقية التي تمد الشعب بالقوة الأدبية والمادية والتي تكفل له حياة كريمة. لذا حرص على دعم المجانية التامة للتعليم، وتم تخصيص الميزانية الكبرى للتعليم في الكويت، فالدولة تتكفل بالكتب والأدوات المدرسية والقرطاسية، ونقل التلاميذ من وإلى المدرسة، وتوحيد الزي المدرسي لإزالة الفوارق الاجتماعية، كما تتكفل أيضاً بتوفير الوجبات الغذائية للطلبة، فضلاً عن تقديم بعض المكافآت المالية لطلاب وطالبات المعاهد التي ترى المعارف لتشجيع الالتحاق بها، كطلبة الكلية الصناعية ومعهد المعلمات والمعهد الديني.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتداء الزي الموحد كان اقتراحاً تقدم به عبدالعزيز حسين عندما عين مديراً لمعارف الكويت، فطلب من الطلاب أن يرتدوا القميص والبنطلون أثناء الدوام المدرسي، وحتى يشجع الطلبة وأولياء الأمور على ارتداء هذا الزي أوعز إلى كلِّ العاملين في الإدارة بارتداء البدلة بمن فيهم هو نفسه.
إن عبدالعزيز حسين كان يريد أن يؤسس الإنسان القدوة، الإنسان النموذج الذي إذا أراد فرض أمرٍ على الآخرين كان هو أول السباقين إلى تنفيذه حتى يتبعه الآخرون. وظل عبدالعزيز حسين مرتدياً البدلة طوال حياته فلم نرَه مرتدياً الدشداشة يوماً.
ثالثاً: التوسع في الابتعاث إلى الخارج
كان لوعي عبدالعزيز حسين بطبيعة المجتمع الكويتي أثره البالغ في تحقيق خططه التعليمية، ونجاح مشاريعه الثقافية، وكان يدرك بنفاذ بصيرته أن البعثات الدراسية الخارجية لا بد أن تزداد إذا أردنا أن نبني مجتمعاً مدنيّاً علميّاً حقيقيّاً، لذا فقد بلغ عدد المبعوثين للدراسة خارج الكويت على نفقة الحكومة 248 مبعوثاً سنة 1960 من بينهم خمسون طالبة. وأول بعثة من البنات كانت سنة 1956، وفتحت مكاتب ثقافية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بالإضافة إلى مصر للإشراف ورعاية الطلبة المبتعثين.
رابعًا: إنشاء رياض الأطفال
حين زار عبدالعزيز حسين السويد في يونيو 1951 اطلع على معاهدها العلمية وتعرف نظامها التعليمي ونظام رياض الأطفال، ذلك النظام الذي لم تعرفه الكويت بعد، وعندما تولى إدارة معارف الكويت سعى إلى تطبيق هذا النظام بإضافة مرحلة رياض الأطفال إلى المراحل الدراسية الثلاث، وفي عام 1954 تم افتتاح روضتين للأطفال على سبيل التجريب يدخلها الأطفال من الجنسين في سن الرابعة ويمكثون فيها سنتين ينتقلون بعدهما إلى المدرسة الابتدائية.
خامساً: تعليم البنات
دَعَّم عبدالعزيز حسين تعليم البنات عبر إنشاء المدارس، وفتح البعثات الخارجية لهن، فغدت البنت التي كان مُحرًّمًا عليها الخروج بالأمس، تجلس اليوم على مقاعد الدراسة في الجامعات إلى جانب زميلها الطالب دون معارضة تذكر.
سادساً: تقييم الوضع التعليمي الراهن من أجل التطوير
إن الرغبة في إقامة جهاز تربوي يسعى إلى نشر التعليم الحديث كانت جزءاً من السياسة العامة التي انتهجها الشيخ عبدالله السالم الصباح، وكانت حلماً يراود الإحساس الشعبي منذ الثلاثينيات من القرن العشرين، ولكن بين الآمال وتحقيقها فجوة كبيرة وكان لعبدالعزيز حسين الفضل في بناء الجسور التي تحقق هذه الغاية .
ففي عام 1955 تم إجراء أول تقييم للتعليم في الكويت، إذ قام عبدالعزيز حسين باستدعاء الخبراء التربويين من أرجاء الوطن العربي لدراسة الواقع التعليمي في الكويت ووضع الخطط والمنهج لتطوير التعليم في الكويت، وتأليف مناهج دراسية حديثة تتفق وطبيعة العصر.
استدعى عبدالعزيز حسين بعض الأساتذة الكبار الذين لهم باع طويل في مجالات التعليم وشكَّل منهم لجنة لتقييم الوضع التعليمي الراهن في البلاد:
- إسماعيل قباني (1898-1963) عميد المعهد العالي للمعلمين في مصر، رئيساً للجنة.
- الدكتور متى عقراوي (1901-1982) رئيس جامعة بغداد.
- محمد فريد أبو حديد (1893-1967) الأديب المعروف والذي كان أستاذاً لعبدالعزيز حسين في مصر، وعميدًا لمعهد التربية للمعلمين آنذاك.
- الأستاذ قسطنطين زريق (1909-2000) رئيس الجامعة الأمريكية ببيروت.
وقد وضعت اللجنة تقريرها، وأخذ عبدالعزيز حسين يرسم منهجه في التطوير بناءً على ما جاء في التقرير وبما يتفق وطبيعة المجتمع في الكويت، يقول: "كنتُ أومن بأن التربية رسالة تستهدف خلق أجيال تستطيع بناء بلدها وتسهم في نهضة أمتها، وأن التعليم هو الاستثمار الأبعد مدى والأكثر مردوداً، وهو إن لم يصطنع الأساليب الحديثة في التربية ولم يغرس المنهج العلمي لدى الناشئة، فشل في تحقيق الغايات المرجوة منه والآمال المعقودة عليه"().
اشتعلت جذوة الحماس في دائرة المعارف، وصار الحديث عن التعليم حديث الناس المهيمن في مجالسهم، فالمدرسون الوافدون متمكنون من مادتهم العلمية، والتلاميذ شاخصة أبصارهم للعلم، بل كانوا يستأنسون من أساتذتهم ومن خبراتهم فيحصدون جيداً، وبدأت دائرة معارف الكويت ببناء المدارس على الطراز الحديث، مثل: مدرسة صلاح الدين، ومدرسة الصِّديق، وبدأ التعليم يأخذ مساره التربوي والعلمي السليم في هذه الفترة.
عمد عبدالعزيز حسين إلى التواصل مع نظار المدارس الذين كان معظمهم من أبناء البلد، مثل: "عقاب الخطيب - كان ناظرًا لروضة مدرسة المثنى، حمد عيسى الرجيب - ناظرًا لمدرسة الصباح ثم مدرسة الصِّدّيق، عبدالعزيز الدوسري - ناظرًا لمدرسة المرقاب، المدرسة الشرقية كان ناظرها أحمد السقاف، مدرسة النجاح كان ناظرها عبدالله أحمد حسين، المدرسة القبلية كان ناظرها بدر سيد رجب، المدرسة الأحمدية كان ناظرها صالح عبدالملك.."().
قَرَّبَ هذا التواصل بين مدير معارف الكويت الأستاذ عبدالعزيز حسين ونُظَّار المدارس المسافة القائمة بين الموظف والمسؤول، وصارت العجلة في حَلِّ المشاكل وتنفيذ المشاريع التعليمية سريعة ومطّرِدة، حتى أن السيدة أم كلثوم عندما زارت الكويت في 25 فبراير 1963 للمشاركة في احتفالات الكويت بعيد جلوس الأمير الشيخ عبدالله السالم الصباح –طيب الله ثراه- سألها المذيع عن انطباعاتها عن الكويت في زيارتها الأولى فقالت: "أعظم ما رأيت هنا المدارس والمستشفيات حتى في أمريكا وإنجلترا مش بالعظمة دي".
سابعاً: الموسم الثقافي
كان عبدالعزيز حسين مدركاً وواعياً لأهمية الثقافة في تشكيل الوعي الفردي والارتقاء به، وأن العلاقة بين التعليم والثقافة علاقة مطردة فكلما كان الفرد متعلماً زادت ثقافته، وكلما كان الفرد مثقفاً زاد وعي المجتمع وتحسنت أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية وصارت لديه قدرة أكبر على خلق بيئة مدنية تدفع بالتنمية نحو الأمام.
لذا كانت الثقافة عاملاً مهمّاً من عوامل البناء الإنساني في استراتيجية عبدالعزيز حسين التعليمية. وقد آمن عبدالعزيز حسين بأن لا انفصال ولا انفصام بين الثقافة والتعليم، فإذا كان التعليم وسيلة فإن الثقافة غاية، وكان يدعو المعلمين أن يثقفوا أنفسهم بجانب ما يحملون من علم تربوي لأنهم النموذج والمثال الذي يطبع في ذاكرة الطلاب ويسعون إلى تحقيقه أو تجاوزه، ولا بد للنموذج أن يكون مثقفاً وعارفاً وليس معلماً فحسب، يقول عبدالعزيز حسين:
"أثناء عملي مديراً لإدارة المعارف كان اهتمامي الأول هو نشر الثقافة إلى جانب التعليم. وفي تصوري أنا وزملائي في إدارة المعارف في ذلك الوقت أن الثقافة جزء مهم من التربية والتعليم، إن لم تكن هي الهدف منهما. واهتمامنا انصبَّ على إقامة الأسابيع الثقافية في الكويت واستدعاء المفكرين لإلقاء محاضرات من كافة أقطار الوطن العربي"( ).
أطلقت إدارة المعارف على هذا النشاط اسم "الموسم الثقافي"، وكان هدفها تعريف المجتمع الكويتي العربي بأقطاب الفكر الذين يقرأ عنهم ويقرأ لهم، ولكنه لا يراهم.
وفي عام 1954 بدأت المعارف في تنظيم الموسم الثقافي السنوي في ثانوية الشويخ، واستمرت المعارف في تنظيمه حتى عام 1959.
"حاضر في الموسم الثقافي الأول 1955 قدري طوقان (فلسطين) وعمر فروخ (لبنان) وعبدالعزيز الدوري (العراق) وسعيد عبده وإسماعيل القباني وأحمد زكي (مصر) ومتى عقراوي (العراق) وغيرهم.
وحاضر في الموسم الثاني 1956 عبدالرحمن البزاز (العراق) وأمجد الطرابلسي (سوريا) ومحمد الصياد (مصر) وإسحق موسى الحسيني (فلسطين) وسليمان حزين (مصر) ونقولا زيادة (فلسطين ولبنان) وحسين فوزي (مصر) وقسطنطين زريق (سوريا ولبنان).
وفي الموسم الثالث 1957 عرفت قاعة الندوات في الشويخ: حكمت هاشم (سوريا) وفؤاد صروف (لبنان ومصر) وجميل سعيد (العراق) ومنيف الرزاز (الأردن) وأحمد هاشم وأمين الخولي وبنت الشاطئ (مصر).
وفي الموسم الرابع 1958 حاضر ميخائيل نعيمة (لبنان) وعبدالعزيز القوصي وأمينة السعيد وزكي طليمات (مصر) وجميل صليبا (سوريا) وغيرهم.
وفي نهاية كل موسم ثقافي كانت إدارة المعارف تقوم بجمع هذه المحاضرات وطباعتها في دار المعارف بمصر في كتاب حتى تعم الفائدة.
كان عبدالعزيز حسين يسعى من خلال هذه المواسم إلى إثراء الحياة الثقافية في الكويت، وجعلها منارة ثقافية حضارية يقصدها العلماء والمفكرون، كما كان يرمي من ورائها أيضًا إلى تعميق معرفة المفكرين العرب بالكويت، وقد نجح في ذلك إلى حَدٍّ بعيد، فشكلت هذه المواسم علاقة لم تنقطع أبدًا بين الكويت وهؤلاء المفكرين، فعلى سبيل المثال، عاد الأستاذ أحمد زكي إلى الكويت في أواخر 1958 ليتولى تحرير مجلة العربي، كما عاد زكي طليمات خبيرًا مسرحيًّا ليؤسس أول فرقة مسرحية على أسس علمية، كما عاد إليها د. سليمان حزين ود. قسطنطين زريق بالإضافة إلى السير إيفور جتز الأستاذ بجامعة كمبيردج كخبراء في لجنة ثلاثية لوضع دراسة لإنشاء جامعة الكويت.
ثامناً: مؤتمر الأدباء العرب الرابع 1958 في الكويت
لقد أثمرت المواسم الثقافية في السنوات الأربع المتعاقبة، وصارت الكويت مهيأة ثقافيّاً وفكريّاً لاستضافة مؤتمر الأدباء العرب الرابع والذي كان موضوعه "البطولة في الأدب العربي"، إذ عقد المؤتمر في الفترة من 20 إلى 28 ديسمبر 1958، بحضور ست عشرة دولة عربية، وعقدت الجلسات جميعها في ثانوية الشويخ، وتولى عبدالعزيز حسين السكرتارية العامة للمؤتمر.
لقد كان عبدالعزيز حسين وراء عقد هذا المؤتمر في الكويت والدعوة إليه وتدبير نفقاته، لأنه كان يسعى إلى تحويل الكويت إلى مركز إشعاع حضاري ومنارة ثقافية وسط العالم العربي، هذا المؤتمر الذي سبقت عواصم عربية عريقة إلى استضافته من قبل (القاهرة، دمشق، بيروت) كانت الكويت رابعة هذه الدول العربية في استضافته.
0 التعليقات:
أضف تعليقك